يرى المؤرخ الأميركي كايل أندرسون أستاذ التاريخ المشارك بجامعة ولاية نيويورك بالولايات المتحدة، أن العنصرية في الغرب تجاه الشرق في زيادة مطّردة، وأن الولايات المتحدة الأميركية تعيش حقبة صعبة في ظل انتخابات رئاسية، المواطن الأميركي فيها مضطر للاختيار ما بين "السيئ والأسوأ".
وينتقد الانحياز الأميركي والغربي الكامل للآلة العسكرية الإسرائيلية، ويرجع هذا الانحياز إلى صعود موجة العنصرية السياسية، والعداء الغربي للإسلام على طول التاريخ، وصعود اللوبي الصهيوني بفضل الرؤية المتطرفة للمسيحية الإنجيلية، التي تنتظر هبوط السيد المسيح ونهاية العالم.
ويشيد كايل أندرسون بالانتفاضة الطلابية بالجامعات الأميركية في وجه السياسة الأميركية المنحازة إلى إسرائيل، مشير إلى أن جانبا كبيرا من المجتمع الأميركي، خاصة المثقفين، يعيشون حالة اكتئاب جراء هذه السياسات، ويقول "إذا كان في أميركا جانب مشرق وشيء يدعو للفخر، فهو تلك المظاهرات الطلابية التي تشير إلى أنه ما زال هناك ضمير حيّ" في المجتمع الأميركي الذي يعج بالمتناقضات.
كايل أندرسون يعمل حاليا أستاذا مساعدا للتاريخ في جامعة ولاية نيويورك بأولد ويستبري، وهو عضو الجمعية التاريخية الأميركية، ومركز البحوث الأميركي في مصر، حيث جاء مدعوا من المركز القومي للترجمة بمناسبة صدور الترجمة العربية لكتابه "فرقة العمال المصرية"، الذي صدر في أميركا عام 2021 باللغة الإنجليزية.
يروي الكتاب القصة المنسية لأكثر من نصف مليون فلاح مصري في فرقة العمال المصرية، الذين قتل ومات منهم ما لا يقل عن 20 ألفا، تم اختطافهم وإجبارهم على السخرة ليشتغلوا عمالا عسكريين أثناء الحرب العالمية الأولى، ويقوموا بمهام الشحن والتفريغ على أرصفة فرنسا وإيطاليا، وحفروا الخنادق في غاليبولي، وساقوا الجمال المحملة بالمؤن في صحاري ليبيا والسودان وسيناء، وأدّوا دورا شرطيا لفرض النظام بين سكان بغداد المحتلة، ومثّلوا أغلب قوات العمال العسكرية أثناء التقدم عبر فلسطين ونحو سوريا، التي كانت ثاني أكبر مسرح للحرب. وأنشأت الفرقة المصرية مئات الأميال من خطوط السكك الحديدية وأنابيب المياه الواصلة بين مصر وفلسطين، والتي أصبحت أساس البنية التحتية للإمبراطورية البريطانية في المنطقة
يروي الكتاب القصة المنسية لأكثر من نصف مليون فلاح مصري في فرقة العمال المصرية، الذين قتل ومات منهم ما لا يقل عن 20 ألفا، تم اختطافهم وإجبارهم على السخرة ليشتغلوا عمالا عسكريين أثناء الحرب العالمية الأولى، ويقوموا بمهام الشحن والتفريغ على أرصفة فرنسا وإيطاليا، وحفروا الخنادق في غاليبولي، وساقوا الجمال المحملة بالمؤن في صحاري ليبيا والسودان وسيناء، وأدّوا دورا شرطيا لفرض النظام بين سكان بغداد المحتلة، ومثّلوا أغلب قوات العمال العسكرية أثناء التقدم عبر فلسطين ونحو سوريا، التي كانت ثاني أكبر مسرح للحرب. وأنشأت الفرقة المصرية مئات الأميال من خطوط السكك الحديدية وأنابيب المياه الواصلة بين مصر وفلسطين، والتي أصبحت أساس البنية التحتية للإمبراطورية البريطانية في المنطقة.
والكتاب في مجمله سيرة تاريخية أراد المؤلف من خلالها أن يكشف عن الوجه العنصري القبيح للاستعمار، إذ يجرد العمال من إنسانيتهم ومن حقوقهم، ويعدّهم من الحيوانات، ولا يسجل أسماءهم عندما يموتون أو يعودون إلى بلدانهم بعاهات مستديمة وقلوب منكسرة.
في القاهرة التقت الجزيرة نت كايل أندرسون، متحدثا عن رؤيته للعلاقة القلقة ما بين الشرق والغرب، والرؤية الاستشرافية الجديدة لمن يسمَّون بالمؤرخين الجدد.
ما دوافعك في هذا الكتاب للإبحار في عمق التاريخ لنبش حقبة غامضة وشبه مظلمة من تاريخ الشرق؟
كان اهتمامي بوصفي مؤرخا بالتفصيلات الصغيرة للمهمشين من الشعوب، واخترت أن أكتب عن الناس في مصر خلال ثورة 1919، وخلال البحث في الأرشيفات العالمية في لندن وباريس والقاهرة ونيويورك، أثارت اهتمامي تفصيلات كثيرة عن فرقة العمال المصرية خلال الحرب العالمية الأولى، وكان معظمهم من الفلاحين ومن القرى، استطعت من خلالها أن أوثق هذه التجربة الإنسانية المنسية، حيث لم يكن للكتاب والقراء الناطقين بالإنجليزية اهتمام يذكر بقصص رجال غير بيض يعملون وراء خطوط الجبهة.
أن أفضح العنصرية الغربية، وأن أكشف عن الأسماء الحقيقية للعمال المصريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى لتعويضهم عمّا لقوه من أذى ومن إصابات، فضلا عن تعويض الذين ماتوا وقتلوا غيلة وغدرًا أثناء قيامهم بمهامهم في أوروبا وغيرها، وأؤكد أن عدد القتلى والموتى بين العمال خلال الحرب لا يقل عن 20 ألف مصري، قُتِل ومات منهم عدد كبير في الغرب وفلسطين
وأردت من خلال ذلك أيضا أن أفضح العنصرية الغربية، وأن أكشف عن الأسماء الحقيقية للعمال المصريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى لتعويضهم عمّا لقوه من أذى ومن إصابات، فضلا عن تعويض الذين ماتوا وقتلوا غيلة وغدرًا أثناء قيامهم بمهامهم في أوروبا وغيرها من البلاد، لمجرد أنهم كانوا يطالبون بحسن المعاملة وتحسين ظروفهم المعيشية، فكان يتم الاعتداء عليهم مباشرة بالرصاص الحي. وأستطيع أن أؤكد أن عدد القتلى والموتى بين العمال خلال الحرب لا يقل عن 20 ألف مصري، قُتِل ومات منهم عدد كبير في الغرب وفلسطين.
ولن نستطيع تحديد الأسماء أو على الأقل معظم هذه الأسماء دون الاطلاع على أوراق الحرب العالمية الأولى التي بحوزة دار الوثائق القومية المصرية، والتي حاولتُ الحصول على موافقة للاطلاع عليها، ولكن محاولاتي باءت بالفشل، ولا يمكن أن يكون البحث عن حقيقة ما جرى في الحرب العالمية الأولى لمعرفة أسماء وحقوق العمال المصريين الذين ماتوا في تلك الحرب أمرا يتنافى مع الأمن القومي المصري.
والذي لا يعرفه الجميع أن مرتبات العمال المصريين كانت تدفعها الحكومة المصرية في ظل الاحتلال البريطاني، وأن الحكومة المصرية تنازلت عن جزء كبير من المديونية البريطانية بسبب ضغط قوات الاحتلال.
ولكن كيف تمكنت من إحياء قضية مرّ عليها قرن كامل من الزمان؟
استغرق البحث حوالي 4 سنوات، وساعدني كثيرا الاطلاع على الملفات الخاصة بموضوع البحث في الأرشيف البريطاني، حيث استطعت تصوير ما لا يقل عن 30 ألف صفحة خلال صيف واحد عام 2014، حيث يسمح بالتصوير المباشر بالكاميرا، في حين يمنع ذلك في مصر، مما يتطلب مني وقتا كبيرا للكتابة خلال الاطلاع.
وجمعت نصوصا كثيرة ومعلومات عن فرقة العمال المصرية، وأيضا استطعت أن أحصل من "المتحف الإمبريالي للحرب" في لندن على أشياء كثيرة، وجمعت عددا كبيرا من الرسائل لضباط بريطانيين كان موضوعها فرقة العمال المصرية، وتجمعت لدي معلومات كثيرة وصور أيضا.
في مصر استطعت من خلال قراءة الإصدارات المصرية من الصحف والمجلات التي كانت تصدر خلال الحرب مثل "المقطم" و"الأفكار" و"الأهالي"، وفي مكتبة الجامعة الأميركية بالتجمع الخامس قرأت مقالات عن العمال في صحف "الأهرام" و"إجيبشيان جازيت" و"المصور" و"روزاليوسف"، وفي مجلة "روز اليوسف" قرأت مذكرات الشيخ عبد الحميد عن فرقة العمال في أوروبا وفلسطين خلال الحرب الأولى.
من ناحية أخرى، كانت المساعدات كبيرة من المؤرخين والمثقفين المصريين الذين مدّوني بمعلومات مهمة عن الأغاني والفولكلور الذي صاحب أعمال الفرقة المصرية خلال تنقلهم من مكان لآخر، مثل عالية مسلم وليلى سليمان.
وفي باريس ذهبت للاطلاع على الأرشيف الفرنسي، خاصة أرشيف جمعية الشبان المسيحيين، ولهم فرع الآن بالقرب من الأزبكية في القاهرة.
ما سر عدم توفر المذكرات عن العمال المصريين من قبل المصريين أنفسهم، وأن المعلومات موجودة لدى البريطانيين فقط؟
المذكرات يكتبها الأشخاص عن تجربتهم، ولن نجزم بأن المعلومات لا يملكها إلا البريطانيون، والفارق الوحيد أنها عند البريطانيين يسهل الاطلاع عليها، أما المصريون فليس من السهل الاطلاع على وثائقهم القديمة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أعتقد أن العمال المصريين كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولم يذهب العمال الفلاحون للتعلم في الكُتاب بالقرى، ولم يكن التعليم متاحا إلا لأبناء النخبة.
ولهذا كان اعتمادي على الأغاني والروايات الشفهية والأفلام والحكايات، منها كتابات المثقف المصري اليساري عصمت سيف الدولة المحامي، الذي جمع بعض الحكايات في كتاب "مذكرات قرية مشايخ جبل البداري".
في أميركا الآن يتبع مؤرخون مناهج مختلفة في التأريخ، أبرزها ما يسمى "التاريخ من تحت" و"التاريخ الصغير" حيث نركز على حادث صغير بكل تفاصيله، ويمكن أن نرى التاريخ من وجهة نظر ثانية قد تكون مختلفة أحيانا، ولكنها في النهاية تبحث رواية البشر المهمشين الذين عاشوا تلك الحقبة من الزمن، ولم نعد نهتم بالتاريخ الذي لا يرويه ولا يكتبه إلا المنتصرون فقط.
في أميركا الآن يتبع مؤرخون مناهج مختلفة في التأريخ، أبرزها ما يسمى "التاريخ من تحت" و"التاريخ الصغير" حيث نركز على حادث صغير بكل تفاصيله، ويمكن أن نرى التاريخ من وجهة نظر ثانية قد تكون مختلفة أحيانا، ولكنها في النهاية تبحث رواية البشر المهمشين الذين عاشوا تلك الحقبة من الزمن، ولم نعد نهتم بالتاريخ الذي لا يرويه ولا يكتبه إلا المنتصرون فقط.
لا وجود لشخصية قومية
المهم في الكتاب أنك استطعت أن توجه رقبة التاريخ للهوية المصرية أو الشخصية المصرية التي ولدت مع ثورة 1919، واعتبرت نجاح الثورة في جزء كبير منه مرتبطا بمشاركة الأرياف والفلاحين في الثورة ردا على العنف الذي مورس عليهم، فقامت الثورة في الوجه البحري وفي الصعيد مما ضمن نجاحها بشكل قوي.. أليس كذلك؟
الثورة كانت نتيجة التاريخ، ولم تكن نتيجة الهوية والقومية، بل هي ثورة ثقافية واجتماعية، ولهذا كانت الثورة معقدة لتعدد العناصر المشاركة فيها، ثورة 1919 أوجدها التاريخ، وكشفت عن الهوية المصرية التي كانت موجودة من قبل.
وفي الحقيقة لا يوجد ما يسمى بالشخصية القومية، هناك تيارات متعددة في تاريخ أي بلد، وما يتردد من شعارات من أيام سعد زغلول مثل شعار " كلنا واحد " الذي أراه منتشرا في شوارع القاهرة بكثرة هذه الأيام، ليس هذا سوى شعار سياسي، وعندما يتم طرح موضوع الشخصية المصرية، يكون في الحقيقة من خلال حدث سياسي يراد به التعبئة لخدمة فصيل ما.
مصطلح "المستشرقين" وفي الولايات المتحدة وبعد صدور كتاب الاستشراق للدكتور إدوارد سعيد، ارتبطت كلمة استشراق بالوصمة والإهانة، نحن لسنا مستشرقين، بل مؤرخين، وكما في الكتاب لا يوجد ما يسمى الشرق والغرب، بل فقط "التاريخ العالمي" وفي الفصل الأول أكتب تقريبا عن كل العالم.
وما يطلق عليه "الشخصية المصرية" غير موجودة في الواقع، إنما هي موجودة من خلال الشخص الذي يتكلم عنها، وما أقوله في هذا الكتاب، أنّ فكرة الشخصية القومية متعلقة بتاريخ العنصرية، ومنذ بداية القرن الـ19 بدأنا ننظر للتاريخ بعيون عنصرية، نقول عن شخص أبيض إنه قوقازي أو إنجليزي ينتمي للعرق الآري، وهذا خطأ فأنا مختلف عن رجل أبيض ثانٍ، وأنت مختلف عن رجل مصري آخر، وفي النهاية "كلنا واحد" جملة غير سليمة؛ لأننا كلنا مختلفون، وما أثبته هنا أنه لا يوجد ما يسمى بالشخصية القومية.
نحن المؤرخين نرفض مصطلح "المستشرقين" وفي الولايات المتحدة وبعد صدور كتاب الاستشراق للدكتور إدوارد سعيد، ارتبطت كلمة استشراق بالوصمة والإهانة، نحن لسنا مستشرقين، بل مؤرخين، وكما في الكتاب لا يوجد ما يسمى الشرق والغرب، بل فقط "التاريخ العالمي" وفي الفصل الأول أكتب تقريبا عن كل العالم، بريطانيا كان لديها معلومات عن كل العالم تقريبا، والمصريون وقتها كانوا يقرؤون ويؤلفون الكتب عن كل العالم، خلال الحرب وقبلها نقرأ كتابا مهمّا للمناضل مصطفى كامل عنوانه "الشمس المشرقة" عن اليابان في ذلك الوقت، والتاريخ العالمي لا يفصل ما بين الشرق والغرب، بل يحاول أن يجعل من الكرة الأرضية شيئا واحدا.
جوزيف هول مسؤول القوات البريطانية خلال الحرب ذكر أن العمال المصريين كانت تتراوح أعدادهم بين 80 و90 ألف عامل، وكانت فترة بقائهم تتراوح بين 3 و6 أشهر، ومع حساب الرقم خلال 6 سنوات من 1915 – 1921، ومع الحساب نجد بعض العمال اشتركوا أكثر من مرة.
وما الفرق بين مدرسة المؤرخين القدامى والمؤرخين الجدد؟
نحن نعيش مرحلة جديدة من التاريخ يطلق عليها "التاريخ العالمي" ومن 30 عاما مضت، انطلقت دراسات جديدة تختلف عما كانت عليه المنهجية التاريخية في السابق، والكتاب عندما يتكلم عن العمال المصريين فهو لا يتحدث عنهم داخل الحدود المصرية فقط، فقد كان العمال المصريون في فرنسا وفلسطين وتركيا وليبيا، إذن المصري دائما موجود داخل العالم وليس داخل حدوده فقط.
جوزيف هول مسؤول القوات البريطانية خلال الحرب ذكر أن العمال المصريين كانت تتراوح أعدادهم بين 80 و90 ألف عامل، وكانت فترة بقائهم تتراوح بين 3 و6 أشهر، ومع حساب الرقم خلال ست سنوات من 1915 – 1921، ومع الحساب نجد بعض العمال اشتركوا أكثر من مرة.
العامل عبد الرحمن محمد حسين الذي نشر مذكراته في مجلة روز اليوسف قال إنه شارك أكثر من مرة في الحرب، ولابد أن نأخذ في الاعتبار أن عدد سكان مصر كان 12 مليونا فقط، فلو كان العدد مليونا، سيكون ذلك أمرا غير معقول، لكن مع التحليلات والحسابات انتهيت إلى أن العدد الكلي نصف مليون مصري ساهموا في الحرب الأولى، وهذا صعب لأن العمال المصريين لم يكن لهم وزن عند البريطانيين، فلم يسجلوا أعداد الموتى ولا أعداد الأحياء منهم، فهم في نظر البريطانيين ليسوا أكثر من حيوانات أجبروهم على العمل فيما يشبه السخرة التي أعادها الإنجليز للواجهة بعد إلغائها خدمة لمصالحهم الإمبريالية.
ما الأرشيفات التي تردّدت عليها لجمع الوثائق والمادة التاريخية الخاصة بكتاب فرقة العمال المصرية؟
من الأرشيفات التي زرتها وأفادتني كثيرا بالوثائق في لندن، كان "الأرشيف القومي البريطاني"، "أرشيف المتحف الإمبريالي للحرب، "المكتبة القومية البريطانية"، وفي مصر: دار الكتب المصرية، وتقدمت بطلبين للاطلاع على وثائق الدار القومية للوثائق المصرية ولكن جوبه الطلبان بالرفض، ومكتبة الجامعة الأميركية في التجمع الخامس، وفي فرنسا: أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية، والأرشيف القومي الفرنسي، وفي أمريكا: أرشيف جمعية الشبان المسيحيين.
وفي الأرشيف البريطاني عثرت على صور للعقود التي كانت بين العمال والبريطانيين وهي عقود جائرة في متحف الحرب البريطاني، وهذا استغلال لناس لا يعرفون القراءة والكتابة، وعثرت على خريطة للقاهرة و خريطة لمدينة الإسكندرية وقت الحرب في الأرشيف الأميركي، وفي المكتبة البريطانية القومية عثرت على خريطة لسيناء وقد مدّوا بها خطًّا للمياه يعمل به 500 عامل مصري، ورسائل لضابط بريطاني يدعى إرنست كندريك فينابلز سنة 1917 لأسرته يصف فيها أحوال العمال المصريين، وكذلك كتابات المؤرخ العمالي أمين عزالدين، وله كتابات مهمة عن تاريخ الطبقة العمالية في مصر.
نظرة الغرب للعالم العربي أو للشرق عموما هل تغيرت عما كانت عليه من قبل، أم أن الوضع يزداد سوءًا في نظرك؟
لست مؤمنا بالتعميمات، ولا أستطيع أن أقول لك إن هناك تطورا في النظرة الإنسانية من الغرب تجاه الشرق، بل العنصرية مازالت موجودة، وازدادت سوءا، وما نراه الآن في أميركا من أحداث سياسية ورؤى عنصرية لكبار السياسيين تزداد حدتها عما كان في الماضي، وهذا نراه بوضوح في المرشح الجمهوري العنصري ترامب، والديمقراطي بايدن لا يقل عنه سوءا، وأنا ضد العنصرية وضد كل صور الكولونيالية التي مازالت موجودة بقوة في أكبر دول العالم تقدما.
مهم جدا أن العالم يرى أن المعارضة (لحرب إسرائيل على غزة) في أميركا تأتي من صفوف الشباب والطلاب للسياسات المنحازة والاستعمار، ورفضهم لكل ما يجري في فلسطين وغزة هو ضمان للعقل الأميركي، حتى لا يقال إننا أصبحنا مجانين بالكامل، بل مازال هناك ضمير للإنسان الغربي.
كيف تنظر للمظاهرات الطلابية في الجامعات الأميركية والغربية، وهل سيكون لها تأثير على السياسات العامة لدولهم؟
أنا في صف هؤلاء الطلاب وأؤيدهم بقوة، ومعهم ضمانا لحرية التعبير، ومهم جدا أن العالم يرى أن المعارضة في أميركا تأتي من صفوف الشباب والطلاب للسياسات المنحازة والاستعمار، ورفضهم لكل ما يجري في فلسطين وغزة هو ضمان للعقل الأميركي، حتى لا يقال إننا أصبحنا مجانين بالكامل، بل مازال هناك ضمير للإنسان الغربي.
ولا أستطيع أن أقول إن هذه الحركات سيكون لها تأثير، ونحن في موسم الانتخابات الأميركية، ولا حرية لنا إلا أن نختار بين " السيئ والأسوأ" في منافسة بائسة للفوز برئاسة أقوى دولة في العالم، وحقيقة لا أستطيع أن أحكم على ما يحدث الآن، وما أقوله هو أنني في مرحلة اكتئاب.
رأيت الأمل والضمير الحي في عدد من المسؤولين الذين استقالوا من مناصبهم رفضا للانحياز الغربي والاستعمار الغربي، ولكن في المقابل هناك مناصب أكثر قوة مازالت تقود الدفة نحو الاستعمار والعنصرية في كثير من أنحاء العالم.
ورأيت الأمل والضمير الحي في عدد من المسؤولين الذين استقالوا من مناصبهم رفضا للانحياز الغربي والاستعمار الغربي، ولكن في المقابل هناك مناصب أكثر قوة مازالت تقود الدفة نحو الاستعمار والعنصرية في كثير من أنحاء العالم، وأكرر أنني في مواجهة هذه الهجمة العنصرية الشرسة لا أقول أكثر من أنني مكتئب لأن المؤشرات كلها تشير بفوز ترامب، وهذا في غاية السوء، ولأن مرشح الحزب الديمقراطي في غاية البؤس.
ما سبب الانحياز الأميركي الفج لإسرائيل من وجهة نظرك؟
لهذا الانحياز الغربي لإسرائيل أسباب كثيرة منها، العنصرية الكامنة في الغرب تجاه المسلمين بتأثير قوي من اللوبي الصهيوني الإسرائيلي، ولا أقول اللوبي اليهودي، لأن كثيرا من الطلاب الذين يقودون الاحتجاجات في الجامعات هم من اليهود، والصهيونية معظمها من المسيحيين الإنجيليين الذين يقولون بنهاية العالم ونزول المسيح، وهي في النهاية رؤية تاريخية متطرفة.
يضاف إلى هذه الأسباب الالتزام الأميركي لمساعدة الدولة الإسرائيلية؛ يتدخل في ذلك عوامل كثيرة تاريخية واجتماعية ودينية، حيث إن الغرب ضد المسلمين عموما، والرئيس بايدن العجوز، وهو رئيس من الماضي، وسواء ذهب هو، أو جاء ترامب سيكون الموقف الأميركي تجاه العالم في غاية الصعوبة.